أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      لا ورع كالوقوف عند الشبهة. ( نهج البلاغة ٤: ٢٧)      اللسان سبع إن خلي عنه عقر. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)       كفى بالقناعة ملكاً وبحسن الخلق نعيماً/ نهج البلاغة ٤: ٥١.        أحسن كما تحب أن يُحسن إليك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)      
الدروس > بحث خارج > فقه > المسائل المستحدثة الصفحة

النكاح ومهر السنة
بسم الله الرحمن الرحيم
النكاح ومهر السنة
ما جاء في روايات أهل البيت عليهم السلام: ((ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله ـ عز وجل ـ من التزويج))(١). وبما أن محل الابتلاء هو مهر السنّة، والتبرك بمهرية الزهراء ـ عليها السلام ـ في كثير من عقود الزواج، فنحقق في مقدار المهر الذي هو سُنّة.
أمّا مهر الزهراء ـ عليها السلام ـ فيوجب الحرج؛ لأن ما جُعل مهراً لها كثير جداً بمقدار يشمل البحار أيضاً.
قال الشاعر:
وفاطمة ماء الفرات لها مهرُ(٢)
ولذا لا يُكتب في الصداق مهر الزهراء ـ عليها السلام ـ إلا بإضافة قرينة المهر النقدي؛ ولذلك يختلف عنوان مهر السنة عن مهر الزهراء ـ عليها السلام ـ إلاّ إذا قيدنا مهرها ـ عليها السلام ـ بالمهر الظاهري والنقدي، وحسب الأخبار التي هي أظهر في مقدارها (٥٠٠) درهم وإن قيل بأقل(٣)، فلابد من معرفة مقدار الدرهم حتى نحوّلها إلى النقود في كل عصر.
الدرهم من جهة الوزن: هو ما يساوي عشرة من سبعة مثاقيل من الفضة، وينتج أنّ كل درهم اثنتا عشرة وستة أعشار الحمصة من الفضة، فإذا كان المثقال الصيرفي ـ المتداول في السوق ـ أربعاً وعشرين حمصة، والمثقال الشرعي ثماني عشرة حمصة، فإنّ وزن الدرهم اثنتا عشرة وستة أعشار من الحمصة.
غاية الأمر لا يكفي أن نسأل السوق ونُراعي قيمة الفضة الموجودة؛ لوجود عاملين أضيفا في القيمة ـ في ما سبق ـ ولا يوجدان فعلاً:
الأول: أنّ الدرهم كان مسكوكاً ولذلك سُمّي درهماً، فالفرق بين الفضة والدرهم أنّ الدرهم مسكوك والفضة أعمّ، ونفس المسكوكية تضاف في القيمة، فلو محيت السكة لنزلت قيمتها.
الثاني: بما أنّ السكة كانت موجبة لرواج الدرهم وتداوله في السوق كالنقود في هذا العصر، فهذا يُشكّل عاملاً ثانياً لارتفاع قيمته آنذاك عن الفضة في عصرنا؛ وذلك لقانون أنّ الطلب إذا كثر فإنّ المطلوب يغلو، حيث إن في ذلك العصر كانت المادة الفضية ـ كالذهبية ـ تشكل النقود الرائجة، وكانت البلاد محتاجة إلى هذه المادة؛ لدوران اقتصادها وقيام أسواقها، فكانت الفضة واقعة تحت الطلب؛ ولذا ترتفع قيمتها زائداً على مطلوبيتها بالنسبة إلى تزيّن النساء بها، بخلاف العصر الحاضر فإنّها ليست مطلوبة لإدارة الاقتصاد أصلاً حيث استُبدلت بالأوراق، وأيضاً ليست مطلوبة من جهة التزيين والتجمّل عند النساء؛ لأن الفضة قد خسرت قيمتها أكثر مما خسر الذهب وإن كانا مشتركين في العامل الأول أي أنّهما ليسا من النقود الرائجة.
ولذلك فقد قامت بعض البنوك الخارجية ببيع ذهبها الذي كان أساساً لاعتبارها الاقتصادي وتبديله بأساس آخر، وأمّا في السابق فلم يستغنِ عنه، فبسبب هذين العاملين لا نكتفي بقيمة الفضة في سوقنا اليوم، بل لابد من أن نفرض هذا المقدار من الفضة مسكوكاً بالسكة الرائجة، ونفرض أنّ الفضة لو كانت مسكوكة ورائجة وتتمتع بهذا الطلب الكثير في كل البلاد ماذا كانت قيمتها؟ فتلك القيمة نضربها في خمسمائة، وبما أنّ هذا العمل صعب فنسهله إلى حدّ ما بأن نبدّل مهر السنّة من الفضة إلى الذهب لما تقدم من أنّ الخسارة التي مُنيت بها الفضة أكثر ممّا مُني بها الذهب، والتبديل سهل؛ لأنّ مقدار نسبة الدينار إلى الدرهم من ناحية القيمة واضح، وهو أنّ كل عشرة دراهم تساوي ديناراً، فنسلك الطريق الأسهل ونُحدد مهر السنّة بخمسين دينار، وخمسون ديناراً هو خمسون مثقالاً شرعياً، فنسأل عن قيمة الخمسين مثقالاً ذهباً؟(٤) وهنا عاملان متعاكسان:
الأول: ما يقلل من رقمنا وهو أنّ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفيّ، فخمسون مثقالاً شرعاً يكون أقل وزناً من خمسين مثقالاً المتعارف في السوق اليوم.
فنقول: ٥٠ × (ثلاثة أرباع) المثقال، ولكن في مقابله ثلاثة عوامل ترفع القيمة.
١ـ أن الذهب الذي يشكل الدينار الشرعي هو الذهب الخالص، وأما الذهب الفعلي حتى الجيد منه ليس بخالص، فلئن كان مثقالهم أكثر وزناً من الشرعي لكنه أضعف من الناحية الكيفية، فلو كان الذهب الموجود خالصه ثماني عشرة حمصة فإنّه يساوي المثقال الشرعي والزائد ليس بذهب.
٢ـ أنه التمتع بالسكة المسكوكة؛ لأنها تضيف على القيمة من أهل الذهب.
٣ـ أنه الرواج كما تقدم.

(١) وسائل الشيعة ٢٠: ١٤، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، ب١، ح٤.
(٢)هذا عجز بيت من قصيدة طويلة لابن العرندس قالها في رثاء الإمام الحسين عليه السلام. انظر الغدير ٧: ١٥.
(٣) وهناك روايات أخرى تنفع في المقام وهي في كتاب (الذرية الطاهرة: ٥٢) للدولالي، ونقلها الشيخ اليوسفي في كتابه: (موسوعة التاريخ الإسلامي ١: ٣٣٣، في الحاشية).
وروى الخبر الكليني بسنده عنه، قال: سمعته يقول: ((قال أبي: ما زوّج رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ شيئاًً من بناته ولا تزوّج شيئا من نسائه على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونشّ، والأوقية أربعون درهماً، والنش نصف الأوقية وهو عشرون درهماً)). الكافي ٥: ٣٧٨/ ٥ كتاب النكاح. وسائل الشيعة ٢١: ٢٤٦، أبواب المهور ، ب٤، ح٤.
(٤) فكل عشرة دراهم تساوي ديناراً شرعياً من الذهب أي (١٨) حمصة من الذهب الخالص وزن الدينار الشرعي، أي ٥٠ × ١٨= ٩٠٠ حمصة مجموع خمسين ديناراً شرعياً. والآن نريد أن نحول الذهب الذي عرفنا وزنه بالحمصة إلى وحدة قياس أخرى وهي الغرامات؛ لأنها معتبرة ومطّردة الاستعمال في الأسواق؛ وذلك لكي نرى معادلاً لهذه الكمية من السكة (البهار آزادي)، وبما أنّ نوعية الذهب في ذلك الزمان نوعية خالصة وهي (٢٤) حمصة.
وأما السكة في هذا الزمان نوعية ذهبها (٢٢) حمصة، فلابد من تحويل نوعية الذهب (٢٤) إلى (٢٢)، فنقول: ٩٠٠ حمصة ÷ ٢٢ = ٤٠.٩٠٩ مثقال عيار (٢٢) حمصة.
نحول المثقال إلى غرام ٤٠.٩٠٩ × ٤.٦ = ١٨٨.٦ غرام مجموع ٤٠.٩٠٩ مثقال عيار (٢٢) حمصة.
وبما أنّ السكة في زماننا تساوي وزناً ٨.١٣٠ غراماً، فنقول: ١٨٨.٦ ÷ ٨.١٣٠ = ٢٣ سكة (بهار آزادي) مجموع ٥٠ ديناراً التي هي مقدار مهر السنة. ولكن هذا المقدار من غير إضافة التخمينات، وأما مع التخمينات فيكون ٥٠ ديناراً صيرفياً أي الدينار ٢٤ حمصة وليس ١٨ حمصة فالمجموع = ٥٠ × ٢٤ = ١٢٠٠ حمصة ÷ ٢٢ = ٥٤.٥٤٥ مثقالاً عيار (٢٢) ٥٤.٥٤٥ × ٤.٦ = ٢٥٠.٩٠٠ غرام بدل ٥٠ ديناراً صيرفياً بالمثقال، وبما أن السكة وزنها = ٨.١٣٠ غراماً.
فنقول ٢٥٠.٩٠٠ غرام ÷ ٨.١٣٠ = ٣٠.٨٦١ سكة مهر السنة مع إضافة التخمينات؛ لإجبار ما فقدته العملة من الخسارة في هذا الزمان.