رب قريب أبعد من بعيد، ورب بعيد أقرب من قريب. ( نهج البلاغة ٣: ٥٥)      الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال. ( نهج البلاغة ٤: ٤٩)      إياك ومصادقة الكذاب فإنّه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب. ( نهج البلاغة ٤: ١١)        إسع في كدحك ولا تكن خازناً لغيرك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      
البحوث > المتفرقة > التشابة بين الصور الحسية والواقع الصفحة

التشابه بين الصور الحسّية والواقع عند فلاسفتنا المحدثين
مناقشة الأدلة
الشيخ مصطفى يحفوفي
 مقدمة
بيَّنا في بحث سابق(١)النظرية التي يتبنّاها الفلاسفة الإسلاميون المحدثون في المدركات الحسّية، وألمحنا إلى ما يعتري هذه النظرية - في أصل صياغتها - من تشويش والتباس، وأرجأنا مناقشة أدلتهم إلى بحث آخر، فكان هذا البحث الذي بين يدي القارئ الكريم، والذي سيتركّز على مناقشة تلك الأدلة.
خلاصة النظرية:
وقبل الخوض في عرض الأدلة ومناقشتها، لا بدّ من تقديم عرض موجز لمضمون تلك النظرية - وهو ما فصّلناه في بحثنا السابق -، فنقول:
يذهب الفلاسفة الإسلاميون المحدثون إلى وجود نحوٍ من المطابقة بين الصور الحسّية والواقع الموضوعي، وملاك هذه المطابقة عندهم هو الاتحاد الماهوي بين الصور الحسّية والواقع، أي أننا عندما ندرك موضوعًا خارجيًا، فإنه يكون هنالك أمر مشترك بين هذا الموضوع المدرَك، وبين الصورة الحسّية التي ندرك بواسطتها ذلك الموضوع، وهذا الشيء المشترك هو الماهية، فما ينطبع في أذهاننا من الموضوع الخارجي هو ماهية ذلك الموضوع، وهذه الماهية هي التي تشكّل الرابطة بين الصور الحسّية والواقع الخارجي.
لكن ومع وجود هذا الاتحاد من ناحية الماهية، إلا أنه يبقى ثمّة اختلاف بين الإدراك وبين الواقع، مرجعه إلى الاختلاف بين الوجودين، حيث توجد الصور الإدراكية بوجود ذهني، بينما توجد الموضوعات الواقعية بوجود عيني، وهو ما يسبّب اختلافًا في الآثار, فيكون للشيء في الواقع الموضوعي آثار لا تكون له في وجوده الذهني، ومثال ذلك النار التي لا تختلف ماهيتها في الخارج

(١) وذلك في بحث تحت عنوان [تساؤلات حول نظرية الإدراك الحسي عند الفلاسفة المحدثين]، وهو البحث المنشور في مجلة (رسالة النجف)، العدد صفر.