لا تقل ما لا تحب أن يقال لك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)        ليس جزاء من سرك أن تسوءه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)        إياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)        لا خير في علم لا ينفع. ( نهج البلاغة ٣: ٤٠)      
البحوث > المتفرقة > التثبيت قبل الحكم الصفحة

التثبت قبل الحكم
العلامة الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء
ما زال أهل العلم والنظر والدراسات الصحيحة يُعْنَون أكبر العناية بالمصادر التي يعتمدون عليها في بحوثهم، ويستندون إليها في أحكامهم، ومن المعهود أن رجال الفرق، وأهل العصبية للمذاهب، ينقلون عن مخالفيهم آراء قد لا يعرفها هؤلاء المخالفون، وقد يعرفونها على صورة أخرى تختلف اختلافا قريباً أو بعيداً عن الصورة المنقولة، وأنهم قد يأتون باستدلالات لمذهب مخالفيهم يروجون لها، في ظاهر الأمر، ويوغلون في تفصيلها والعناية بدقائقها، ليوهموا الناس أنها لمخالفيهم، ثم يكرون عليها بالإبطال والتزييف والطعن والتجريح فلا تلبث أن تنهار.
لذلك كان شيوخ العلم، وحذاق النقد، يوصون تلاميذهم بأن يُعنَوْا بمصادرهم، وألا يقلدوا في بحوثهم وأفكارهم تقليداً أعمى، فيقعوا في الخطأ، ويضلوا عن سواء السبيل، وكانوا ينصحونهم دائماً بالرجوع إلى المصادر الأصيلة لمذهب ما، أو فكرة ما، إذا أرادوا أن يصلوا إلى الحقيقة في هذا المذهب، وأن يعرفوا الواقع الفعلي، لا التخيلي، لهذه الفكرة.
أقول هذا لأنني تتبعت كثيراً مما يكتبه الكاتبون عن الشيعة إلى عهد قريب، فوجدته مأخوذاً عن ابن خلدون الذي كان يكتب وهو في أفريقيا وأقصى المغرب عن الشيعة في العراق وأقصى المشرق، أو عن أحمد بن عبد ربه الأندلسي، أو أمثالهما، وقد يريد الكاتبون التوسع، ويقصدون إلى الدراسة والتحليل، فيرجعون إلى كتب الغربيين المعروفين (بالمستشرقين) وحينئذ يظنون أنهم قد أتوا بفصل الخطاب، واعتمدوا على المصدر الوثيق، وجاءوا بالحجة الدامغة. مع أن أمر الشيعة في أفكارهم وآرائهم ميسر لمن أراد معرفته، فهذه كتبهم ومؤلفاتهم ومكتباتهم ـ ومن بينها مكتبتنا التي تشتمل على أكثر من خمسة آلاف مجلد ـ تشهد بأن الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين، ومذهب من مذاهب الإسلام، يتفقون مع سائر المسلمين في الأصول، وإن اختلفوا معهم في بعض الفروع.
ومن الأمثلة التي تدل على عدم التثبت ما يزعمونه من أن الشيعة تقول: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلا، وكتب الشيعة جميعاً تنادي بأن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، والنار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً. والمسلمون جميعاً يقرأون قوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
ومن ذلك ما يزعمونه من أن النصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إلى الله، وهذا قول مرسل بغير سداد، ولم يعين قائله من