كفى بالقناعة ملكاً وبحسن الخلق نعيماً/ نهج البلاغة ٤: ٥١.      الحدة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم. ( نهج البلاغة ٤: ٥٦)        ليس جزاء من سرك أن تسوءه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)      لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه. ( نهج البلاغة ٤: ١١)      قيمة كل امرئ ما يحسنه. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      
الحوزة > حوار الحضارات ضرورة موضوعية للمجتمع الإنساني الصفحة

حوار الحضارات ضرورة موضوعية للمجتمع الانساني
د. حسين العودات(*)
انه لمن المؤسف بعد ما يقارب السبعة آلاف عام من التاريخ الانساني الواعي، والتطور المدهش للمعارف والثقافات والحضارات الانسانية، وامتلاك ناصية العلوم الاساسية وتطبيقها، وثورة المعلومات والاتصال، ان الفكر الانساني مازال يناقش مدى ضرورة حوار الحضارات وتواصلها، وليس للإقناع والاقتناع بان من مصلحة الانسانية عقد مثل هذا الحوار بين الحضارات، وليس في صراعها وتدمير بعضها للبعض الآخر.
وانه لمن المثير للدهشة ان نجد في عصرنا، بعد كل هذا التطور، من يسعى لايجاد اطار فكري واخلاقي وايديولوجي لتبرير سيادة حضارة على اخرى، وسيطرة ثقافة على ثقافة ثانية، وتجاهل ضرورة التعددية الحضارية والثقافية، والدعوة للسيطرة الحضارية والتسلط الثقافي وانكار خصوصية الشعوب، والعمل على الغاء هذه الخصوصية، وتحقيق عالم على نمط واحد، يرى بعين واحدة، ويسلك سلوكاً منمطاً مرتبطاً بقيم وظيفتها خدمة حضارة واحدة، وبتعبير ادق خدمة الامبريالية العالمية واحتكاراتها المتعددة الجنسيات، وآلياتها الاقتصاديةوالمالية والثقافية والسياسية.
قد يكون التاريخ السياسي للدول هو تاريخ صراع تناحري بين القوى الحاكمة، أو الانظمة الحاكمة، ان لم يكن كله فجله، ولكن العلاقة بين الحضارات لم تكن، ولا يمكن ان تكون إلاّ تاريخ حوار وتفاعل وتأثر وتأثير، سواء كان ذلك يتم في احشاء الصراع السياسي وتحت ظله وضمن شروطه، ام بمعزل عن هذا الصراع، لقد كان تفاعل الحضارات دائماً وفي كل الظروف هو السمة الرئيسية لعلاقات الشعوب والدول، في سلمها وحربها، في صراعها وحوارها، فلم ينج الاوربيون في القرون
الوسطى مثلا من التأثر بالحضارة العربية الاسلامية في الاندلس والتأثير فيها، وكان حوار الحضارتين يجري بفعالية تحت خيمة الصراع السياسي والعسكري الدامي، والامر نفسه خلال الغزو الفرنجي لبلاد الشام ومصر. وخلال الصراع العسكري بين العرب والمسلمين وشعوب آسيا. ومثلما أثرت الحضارة العربية الإسلامية بحضارة هذه الشعوب كذلك تأثرت بها في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل وفي مواقف عديدة تتعلق بسلم القيم الذي حمله العرب المسلمون الأوائل، فكانت الحضارة الاسلامية نتاج تفاعل حضارات الشعوب التي دخلت في الاسلام، وكانت الحضارة الاوربية في عصر النهضة محمولة على ارضية من التفاعل مع الحضارة الاسلامية، وكذا الأمر في حضارات سابقة وصراع سابق، بين الإغريق والفرس، والرومان والعرب، والامثلة المشابهة مبثوثة في التاريخ الانساني كله.

(*) استاذ جامعي ـ الاردن.