ليس جزاء من سرك أن تسوءه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)        لن لمن غالظك فإنّه يوشك أن يلين لك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)      ظلم الضعيف أفحش الظلم. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)        أحسن كما تحب أن يُحسن إليك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)        ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغنى. ( نهج البلاغة ٣: ٥٥)      
البحوث > المتفرقة > الاجتهاد عند الزيدية الصفحة

الإجتهاد عند الزيدية
* إسماعيل بن علي الأكوع
(اليمن)
يمكن أن يُقال إن للمذهب الزيدي مزية حميدة، ومنقبة مشكورة، وهي فتح باب الاجتهاد لمن حذق علومه، واتقن فنونه، ولا غرابة في ذلك ; فقد كان زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام) الذي نسب إليه هذا المذهب من كبار أئمة الاجتهاد، وله فقهه المدون المعروف الذي لا يخرج عن نطاق ما كان عليه السلف الصالح، من الاقتصار على العمل بكتاب اللّه وسنة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) «ففقه زيد قريب من فقه الائمة المشهورين في وقته والمأثور من آرائه أنها لا تخرج عن آراء فقهاء الأمصار، ومنهاجه في الاستنباط لا يبعد ايضاً عن مناهج الائمة الذين عاصروه كأبي حنيفة وابن أبي ليلى والزهري وغيرهم من أئمة الفقه. والزيدية يأخذون بالكتاب ثم بالسنة. ونصوص الكتاب مراتب والسنة مراتب، فإن لم يكن كتاب ولا سنة يكون القياس، ويدخلون الاستحسان والمصالح المشتركة في القياس ويتمسكون بفتح باب الاجتهاد ولا يقولون بالتقية ولا بعصمة الأئمة، والايمان بصحة خلافة أبي بكر وعمر»(١).
سوى أن الزيدية خالفت أهل السنة في أمرين:
أحدهما: نزوعها في العقيدة إلى الاعتزال تبعاً لزيد بن علي الذي كان قد أخذه عن واصل بن عطاء الغزال رأس المعتزلة، حينما اجتمع به في رحلته العلمية إلى البصرة فتتلمذ في الاصول على يديه «مع اعتقاد واصل أن جده علي بن أبي طالب(عليه السلام) في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لا بعينه»(٢).
والأمر الآخر: الإمامة التي هي مدار اهتمام فرق الشيعة، ومحور عقائدهم السياسية، فقد كان زيد بن علي يرى أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) أحق بها بعد وفاة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لمكانته وقربه منه نسباً وصهراً، وأن تكون بعده في ولديه الحسن ثم الحسين(عليهم السلام) ثم في من تناسل منهما إلى يوم القيامة، «وترى الزيدية أن الإمامة فرع من النبوة ولا يجوز أن تكون إلاّ في موضع مخصوص معروف للخلق، والنبوة لا تكون إلاّ في ارفع المواضع وأشرفها. وتعلل الزيدية حق الإمامة في آل البيت بقولها: ولا أقرب إلى النبي من أولاده وذريته مع ما خصهم اللّه به من الشرف والفضل، فكانوا أحق بالإمامة من غيرهم. وإمامة علي هي زمن محتوم بالادلة التي اقتضت تعيينه بالوصف لا بالنص»(٣).
ومع هذا فانها ترى جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وإذا كان رأي زيد بن علي أن علياً أولى بالإمامة بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وأحق بها من الخلفاء الذين سبقوه، فإنه يعتقد من باب أولى أنه أحق بها من خلفاء بني

(١) تاريخ الفرقة الزيدية: ٣٢٩.
(٢) الملل والنحل، للشهرستاني، القسم الأول: ١٣٨.
(٣) الشيخ محمد خليل الزين، تاريخ الفرق الاسلامية: ١٧٧.