ظلم الضعيف أفحش الظلم. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      من زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. ( نهج البلاغة ٤: ٨ )      بالإفضال تعظم الأقدار. ( نهج البلاغة ٤: ٥٠)      ما خيرٌ بخيرٍ بعده النار، وما شرٌّ بِشَرٍّ بعده الجنة. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)      عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)      
البحوث > المتفرقة > الاسلام رسالة ونظام عالمي الصفحة

الإسلام رسالةٌ ونظامٌ عالميٌ
الشيخ عبد الكريم آل نجف

مقدمة
أن الرسالة العالمية تستلزم مجتمعاً قد بني بناءاً عالمياً كافياً يتيح له التجاوب مع اُطروحاتها وأهدافها وبرامجها المختلفة، بمعنى أن القائمين على هذا المجتمع لابد وأن يلاحظوا ضرورة الارتفاع بالواقع الاجتماعي القائم إلى مستوى التطابق مع خصوصيات الرسالة الإسلامية، وفي مقدمتها الخصوصية العالمية، وهي وإن كانت لا تتطلب بالنسبة إلى مجتمعاتنا الإسلامية شيئاً يزيد على إجلاء الفطرة الإنسانية وتعميق الإسلام في واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي، إلاّ أن الالتفات إلى هذه الجهة والاهتمام بها، والتركيز عليها من شأنه المساعدة على أمرين ضروريين في عملية البناء الاجتماعي وهما:
١ ـ زيادة التحسّس وتركيز الانتباه تجاه الظواهر والممارسات الاجتماعية والثقافية المخالفة لتلك الخصوصية، بحيث لو لم يكن هناك التفات إلى الضرورة المذكورة، لكان التحسس بتلك الظواهر المخالفة قليلاً، ولغفل رعاة المجتمع عنها، أو لاعتبروها من الاُمور الهيّنة التي يمكن التسامح بشأنها، ولكانت النتيجة أن البناء الاجتماعي يقام على واقع غير منسجم معه، مما يقلّل من كفاءة هذا البناء وهدفيته.
٢ ـ البرمجة والتخطيط: ذلك أن البناء الاجتماعي وعملية التغيير تتطلب تخطيطاً وبرمجة كافية، وهذا بدوره يتطلب اهتماماً وتركيزاً على المحور المقصود بالتغيير، فلو لم تكن هناك ملاحظة لضرورة الارتفاع بالواقع الاجتماعي إلى مستوى التطابق مع خصوصيات الرسالة الإسلامية; لم تتيسر عملية التخطيط والبرمجة، وكانت الحركة الاجتماعية حركة مرتجلة غير مدروسة.
وأهمية هذين الأمرين تقاس بأهمية الجهة المطلوبة منهما، فكلما كانت الجهة المطلوبة بهما رفيعة أزدادت أهمية التحسس لما يخالفها والتخطيط من أجل الوصول إلى حالة مطابقة لها، والجهة المطلوبة لدينا تحظى بأهمية عقائدية رفيعة، بوصف أن العالميّة هي الوجه الإنساني الذي يجسّد إطلاق التوحيد على الساحة الإنسانية، بحيث أن حذف العالمية أو إهمالها في الحسابات العقائدية أو الاجتماعية يؤدي إلى اختلال الرؤية الكونية للمجتمع الإسلامي، وتعويم التوحيد في الساحة الاجتماعية.
إن على المجتمع الحامل للواء الرسالة الإسلامية في كل زمان ومكان أن يعدّ نفسه ليكون بالمستوى العالمي لهذه الرسالة وأن يثبت أهليته لذلك، والمجتمع العاجز عن قراءة اُفق من آفاقها أو التفاعل مع بعد من أبعادها ليس بوسعه أن يكون حاملاً للولائها على الساحة الإنسانية، وإن كنا لا نشك في كونه مجتمعاً مسلماً، لكن القيادة أمتياز لا يحلّ إلاّ في واقع ممتاز عن غيره.