لا ورع كالوقوف عند الشبهة. ( نهج البلاغة ٤: ٢٧)        أحسن كما تحب أن يُحسن إليك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)        الجئ نفسك في الأمور كلّها إلى الهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)        قارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن عنهم. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )     
البحوث > المتفرقة > المجتمعان الديني والمدني الصفحة

المجتمعان الديني والمدني: رؤية أولية لمجالات الالتقاء والتنافر
كامل الهاشمي(١)
البحث في العلاقة بين المجتمع الديني والمجتمع المدني بحث له تجلياته على مستويات مختلفة، أولها المستوى الفلسفي، وثانيها المستوى السياسي، وثالثها المستوى الاجتماعي والأخلاقي، وبالرغم من أن مقولتي (المجتمع الديني) و (المجتمع المدني) كانتا من الممكن أن تتواجدا في الواقع وتتعايشا كمقولتين متجانستين ومنسجمتين، إلاّ أن المسار التاريخي للأحداث السياسية والتحولات الفكرية والاجتماعية في العالم الغربي منذ القرن السادس عشر الميلادي ساهمت في إيجاد فاصل عميق بين المقولتين، بل صارت المقولتان تتسمان بطابع التضاد والتنافي، بعد أن اعتبرت كل مقولة تنتمي وتعبر عن مرجعية فكرية غير ما تنتمي وتعبر عنه المقولة الأخرى، فالمجتمع الديني صار ينتمي كما هو واضح الى مرجعية الفكر الديني بشكل مطلق، كما أن مقولة المجتمع المدني أضحت تنتمي بشكل واضح أيضاً الى مرجعية الفكر الدنيوي بشكل مطلق أيضاً.
مداخلات المجتمع الديني والمجتمع المدني (تمهيد)
من هذا المنطلق يمكن لنا أن نقدم تحليلاً لتناقض المقولتين يقوم على أساس تناقض التجربتين اللتين ترجع الى كل واحدة منهما احدى المقولتين، فبالنسبة الى مقولة المجتمع الديني يعكس التمسك بها مضمون التجربة البشرية القائمة على التواصل مع الدين والرجوع الى الوحي الديني، باعتباره المصدر الأساس في تشكيل وعي ومفاهيم وتصورات الأفراد والجماعات في المجتمع الديني، بينما تعكس مقولة المجتمع المدني محتوى التجربة البشرية القائمة على الغاء الدين ودوره في الحياة والمجتمع، أو على أقل تقدير تعطيل فاعليته وحصرها ضمن مجالات شخصية ومحدودة، والسعي لاستبدال فاعلية الدين ومرجعيته بفاعلية التجربة البشرية المؤسسة على العقل الانساني بما هو فاعلية منفصلة عن الدين والوحي، بل بما هو فاعلية مضادة للدين وملغية لدوره في الوجود البشري; وعلى هذا الأساس اعتبرت (العلمانية) بمعنى فصل الدين عن الدولة احدى أهم سمات المجتمع المدني.
وما سنحاول القيام بتجليته في هذه المقالة هو بيان مجالات التداخل والتلاقي بين المقولتين، كما سنعني ببيان موارد التضارب والتنافي بين المقولتين بحسب ما يطرح لهما من تصور وفهم، وكما أشرت في أول هذا التمهيد الى أن البحث في العلاقة بين المجتمع الديني والمجتمع المدني يمكن أن تتحدد ضمن مجالات أساسية ثلاثة هي:
١ ـ المجال الفلسفي: ويعني ببيان الرؤية الفلسفية للعلاقة المتصورة بين المجتمعين.
٢ ـ المجال السياسي: ويعني ببيان الرؤية السياسية للعلاقة المتصورة بين المجتمعين.
٣ ـ المجال الاجتماعي والأخلاقي: ويعني ببيان الرؤية الاجتماعية والأخلاقية للعلاقة المتصورة بين المجتمعين.

(١) مدرس علم الكلام في الحوزة العلمية.