لا يستحين أحدٌ إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)        حفظ ما في الوعاء بشد الوكاء. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه. ( نهج البلاغة ٤: ٨٨ )     من زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. ( نهج البلاغة ٤: ٨ )      ربّ قولٍ أنفذ من صول. ( نهج البلاغة ٤: ٩٤)      
البحوث > المتفرقة > البعد المعنوي في شخصية الإمام الحسين عليه السلام الصفحة

البعد المعنوي في شخصية الإمام الحسين عليه السلام
ولي أمر المسلمين آية الله العظمى السيد علي الخامنئي دام ظلّه
(من خطاب ألقاه ولي أمر المسلمين، وقائد الثورة الاسلامية سماحة آية  الله العظمى السيد علي الخامنئي  مد ظلّه، بمناسبة ذكرى ولادة أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وذلك بتاريخ ٣ / شعبان / ١٤١٨ هـ ق).
إن لشخصية الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ الألمعية الباهرة بعدان:بُعد الجهاد والشهادة والاعصار الذي أحدثه على مدى التاريخ، وسيبقى هذا الاعصار ـ بما يتسم به من بركات ـ مدوياً على مدى الدهر، وأنتم مطلعون على هذا البعد الأول. أما البُعد الآخر فهو بُعد معنوي وعرفاني، ويتجلى هذا البُعد في دعاء عرفة بشكل واضح وعجيب. وقلّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة والحرقة والانسياق المنتظم في التوسل إلى الله والابتهال إليه والفناء فيه. إنه حقاً دعاء عظيم.
ثمة دعاء آخر ليوم عرفة ورد في الصحيفة السجادية عن نجل هذا الإمام العظيم. كنت في وقت أُقارن بين هذين الدعائين، فكنت اقرأ أولاً دعاء الإمام الحسين ـ عليه السلام ـ، وأقرأ من بعده الدعاء الوارد في الصحيفة السجادية، وقد تبادر إلى ذهني مرات عديدة أن دعاء الإمام السجاد ـ عليه السلام ـ يبدو وكأنه شرح لدعاء يوم عرفة; فالأول ـ أي دعاء الحسين ـ عليه السلام ـ في يوم عرفة ـ هو المتن، والثاني شرحٌ له، وذاك أصل، وهذا فرع. دعاء عرفة دعاء مذهل حقاً. وفي خطابه ـ عليه السلام ـ الذي ألقاه على مسامع أكابر شخصيات عصره ، وأكابر المسلمين التابعين في منى، تجدون نفس تلك النغمة وذلك النفس الحسيني المشهود في دعاء عرفة. ويبدو أن خطابه ذلك كان في تلك السنة الأخيرة، أو ربّما في سنة أُخرى غيرها، لا استحضر ذلك حالياً في ذهني لكنه مسطور في كتب التاريخ والحديث.
إذا نظرنا إلى واقعة عاشوراء و أحداث كربلاء، مع أنها ساحة قتال وسيف وقتل، نرى الحسين ـ عليه السلام ـ يتكلم ويتعامل بلسان الحبّ والرضا والعرفان مع الله تعالى، وفي آخر المعركة حيث وضع خدّه المبارك على تراب كربلاء اللاهبة نراه يقول: ((إلهي رضاً بقضائك وتسليماً لأمرك))، وكذا حين خروجه من مكة يقول: ((من كان باذلاً فينا مهجته، وموطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا)).
لقد اقترن خروجه ذاك بالتوسل والمناجاة وأمنية لقاء الله، وبدأ بذلك الاندفاع المعنوي المشهور في دعاء عرفة، إلى أن انتهى به المطاف في اللحظة الأخيرة، إلى حفرة المنحر حيث قال: ((رضاً بقضائك)).
معنى هذا أن واقعة عاشوراء تعد بحد ذاتها واقعة عرفانية، مع أنها امتزجت بالقتال والقتل والشهادة والملحمة، وملحمة عاشوراء صفحة رائعة بشكل يفوق التصور، فإذا نظرتم إلى عمق نسيج هذه الواقعة الملحمية، رأيتم معالم العرفان، والمعنوية، والتضرع، وجوهرية دعاء عرفة .