بادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، وإن أقمتم أخذكم، وإن نسيتموه ذكركم. ( نهج البلاغة ٤: ٤٦)      إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء. ( نهج البلاغة ٣: ١٠٨)      لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه. ( نهج البلاغة ٤: ١١)        ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      ترك الذنب أهون من طلب التوبة. ( نهج البلاغة ٤: ٤٢)      
الحوزة > عثمان بن سعيد العمري السفير الأول الصفحة

عثمان بن سعيد العَمْري: السفير الأول
حسين الشاكري
تمهيد:
قدّر الله سبحانه وتعالى لهذه الغيبة (الصغرى) قبل وقوع الغيبة الكبرى، ليستأنس الشيعة من أتباعه بمعرفة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ وليسمعوا آراءه وفتاواه في الدين، وليطّلعوا على تواقيعه الشريفة فتترسخ عقيدتهم في القلوب، بعد أن يتأكدوا من وجوده، ويعرفوا ما تكون عليه غيبتهُ الكبرى وعهد الانتظار المرّ.
وهي مقدمة لغيبة طويلة موحشة، يتعرض فيها الموالاة له للابتلاء والتمحيص والاختبار، وهو ما لا تركن إليه النفوس إذا لم تتدرّب عليه تدريباً عملياً مقنعاً من فمه الشريف، وإذا لم تتمرس عليه قبل الغيبة الكبرى باعتقاد وجوده الشريف غرساً عميقاً راسخاً.
وتشير الروايات التي وصفت حياة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ خلال فترة الغيبة الصغرى، إلى أنه ـ عليه السلام ـ كان يلتقي سفراءه الأربعة، ووكلاءه المنتشرين هنا وهناك، وأحياناً كان ـ عليه السلام ـ يلتقي ببعض الخواص من شيعته ويحلّ مشاكلهم، على الرغم من أن السلطات الحاكمة كانت تتحرّاه بأقصى مراتب الدقة، وتراقب سفراءه، ووكلاءه ، وتلاحقهم أحياناً بواسطة أجهزتها وجواسيسها، وقد هاجمت داره ـ عليه السلام ـ أكثر من مرة بهدف القبض عليه.
وبعد فشل محاولات المعتمد العباسي التي بذلها للقبض على الإمام ـ عجل الله فرجه ـ بتحريض من عمّه جعفر بن الإمام علي الهادي ـ عليه السلام ـ المعروف (بجعفر الكذّاب) وبعد فشل هذه المحاولة، جرّب المعتضد العباسي الذي جاء إلى الحكم بعد تسع عشرة سنة مرّت من حياة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ فحاول أكثر من مرة ـ كما يبدو ـ من بعض المرويّات أن يقبض عليه في داره، فكان يرسل الجيش تلو الآخر فيحاصر الدار ويفتشها تفتيشاً دقيقاً، وكان الله سبحانه يحول بينه وبين مراده، تكريماً منه تعالى لمن اصطفاهم من عباده، واجتباهم إليه من خلقه.
بالرغم من كل ذلك، فقد كان الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه ـ يجتمع بخاصّته وشيعته، ويحلّ مشاكلهم حسب ما يراه صالحاً لهم، وأغلب الذين كانوا يجتمعون إليه كما تحدثت الروايات كانوا يصابون بما يشبه الذهول والغفلة حين اجتماعهم به لهيمنة عظمة الإمامة، فيغيب عن أذهانهم كونه الإمام ـ عجل الله فرجه ـ ولا يلتفتون إلى أنّه هو صاحبهم إلاّ بعد أن يفارقهم، وأحياناً كان ـ عجل الله فرجه ـ هو الذي يعرّفهم بنفسه لمصلحة تقتضي ذلك.
وعليه فإن الإمام ـ عجل الله فرجه ـ خلال الفترة الأولى من حياته المقدسة التي انتهت بوفاة السفير الرابع الشيخ السمري سنة ٣٢٩ هـ كان له من العمر نحو (٧٥) عاماً، قضى منها مع أبيه نحو خمس سنين، ونحو سبعين عاماً بعد أبيه عليه السلام.