ليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلاّ في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة في معاد، أو لذة في غير محرم. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)      من زهد في الدنيا استهان بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات. ( نهج البلاغة ٤: ٨ )      ظلم الضعيف أفحش الظلم. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      لا ورع كالوقوف عند الشبهة. ( نهج البلاغة ٤: ٢٧)      من كتم سره كانت الخيرة بيده. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)      
البحوث > المتفرقة > اسباب الاختلاف والتنافر بين المسلمين الصفحة

أسباب الخلاف والتنافر بين المسلمين
السيد محمد تقي الحكيم
إن أول ما يخطر في الذهن هو التساؤل عن أسباب الخلاف والتنافر بين المسلمين طيلة هذه المدة، مع أن القضية المذكورة ـ كما يقول فضيلة الشيخ الباقوري وهو صحيح قطعاً ـ لا تعدو أن تكون قضية علم وايمان (فأمّا انها قضية علم فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنّة رسوله، ويتفقان اتفاقاً مطلقاً على الاصول الجامعة في هذا الدين ـ فيما نعلم ـ فإن اشتجرت الآراء بعد ذلك في الفروع الفقهية والتشريعية فإن مذاهب المسلمين كلّها سواء في: أن للمجتهد أجره أخطأ أم أصاب) وللبرهنة على ذلك نرى أنا (عندما ندخل مجال الفقه المقارن ونقيس الشقّة التي يحدثها الخلاف العلمي بين رأي ورأي أو بين تصحيح حديث وتضعيفه نجد أن المدى بين الشيعة والسنة كالمدى بين المذهب الفقهي لأبي حنيفة والمذهب الفقهي لمالك والشافعي).
(وأما انها قضية إيمان فإني لا أحسب ضمير مسلم يرضى بافتعال الخلاف وتسعير البغضاء بين أبناء اُمة واحدة) وما دامت القضية كذلك فلماذا عُمّق الخلاف وحُوّل من مجاله في عالم الفكر إلى غير مجاله من عوالم العلائق الاجتماعية؟ ولماذا فُرّق بسببه بين الأخ وأخيه ثم بين أبناء الوطن الواحد وصار سبباً لامتيازات مباشرة وغير مباشرة بين المواطنين على اختلاف العهود والبلدان؟ وعلام اُزهقت في سبيله مئات الأرواح في معارك دامية ما يزال التأريخ يخزى من ذكر فجائعها؟!
ربما يبدو لأول وهلة أن السبب يعود في واقعه إلى أرباب المذاهب أنفسهم، فهم الذين أوجدوا هذه الهوّة السحيقة بين أتباعهم. ولكنّا إذا سألنا التأريخ عن علائق بعضهم ببعض أجابنا على غير ما يبدو، فهذا مالك بن أنس صاحب المذهب المنسوب إليه كان تلميذاً للإمام الصادق عليه السلام، يختلف إليه فيمن يختلف من تلاميذه لأخذ العلم عنه، وما كانت لديه أيّة غضاضة أن يصرّح بأعلميته وأورعيته، فكان هو يحدّث نفسه وعن استاذه جعفر بن محمد فيقول: (جعفر بن محمد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إما مصلٍّ وإما صائم وإما يقرأ القرآن، وما رأيت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادةً وورعاً)(١).
وأبو حنيفة مؤسس المذهب الحنفي كان يعزو نجاته من الوقوع في مفارقات فقهية إلى تلمذته على الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ فكان يقول ـ فيما يحدّث الآلوسي في تحفته(٢): (لولا السنتان لهلك النعمان)، يريد بهما السنتين اللتين قضاهما في التلمذة على الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ وكان جوابه لمن استفتاه (في رجل وقف ماله للإمام فمن يستحق ذلك المال؟) أن (المستحق هو جعفر الصادق لأنه هو الإمام الحق)(٣).

(١) تهذيب التهذيب ٢: ١٠٤.
(٢) تحفة الآلوسي: ٨.
(٣) محمد أمين غالب، تاريخ العلويين: ١٤٠.