من أصلح أمر آخرته أصلح الله له أمر دنياه. ( نهج البلاغة ٤: ٢٠)      من تذكر بعد السفر استعد. ( نهج البلاغة ٤: ٦٨)      سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار: نهج البلاغة ٣: ٥٦)      ما خيرٌ بخيرٍ بعده النار، وما شرٌّ بِشَرٍّ بعده الجنة. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)      بكثرة الصمت تكون الهيبة. ( نهج البلاغة ٤: ٥٠)      
البحوث > المتفرقة > الدين والعقل ومذهب التفكيك بينهما الصفحة

الدين والعقل ومذهب التفكيك بينهما
الشيخ جعفر السبحاني
الدين الإسلامي الحنيف ـ وكما يدلّ على ذلك القرآن والأحاديث المعتبرة ـ دين العقل والتعقّل، وتلازم أُصوله وفروعه البراهين العقليّة، وشعاره في مقابل المعارضين للدليل والبرهان قوله تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(١). ويقول سبحانه في نقده لآراء المعارضين: (ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ)(٢).
وأوضح دليل على اهتمام الدين الإسلامي بالعقل هو أن لفظة (علم) قد وردت في القرآن الكريم أكثر من (٧٨٠) مرّة، ولفظة (عقل) (٤٩) مرّة، ولفظة (لبّ) (١٨) مرّة، ولفظة (تدبّر) (٤) مرّات، كما وردت لفظة (نُهى) مرّتين وهي بمعنى العقل. وإنّ دراسة هذا النوع من الآيات يعرّفنا بروح الإسلام ويقرّبنا من معرفته، فالقرآن مليء بالبراهين الفلسفيّة القويّة التي لم يأتِ بها قبل القرآن أحد، ولا استطاع آخر أن يأتي بأفضل منها فيما بعد. فأيّ إنسان يستطيع إنكار مكانة العقل والعلم السامية في الآيات التالية؟ هذه الآيات التي يشكّل العقل والفكر والبرهان والاستدلال والتدبّر نسيجها:
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(٣).
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)(٤).
(وَمَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إلَهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَسُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(٥).
وإذا تجاوزنا القرآن الكريم فإنّ الأحاديث النبويّة والروايات وأحاديث الأئمّة المعصومين كلّها توضّح أنّ المعرفة الإسلاميّة تستند إلى البراهين العقليّة. وقد كتب الشيخ الصدوق كتاباً خاصّاً في باب التوحيد يوضّح عظمة الاتّجاه العقلي لأئمّة أهل البيت عليهم السلام.
ولسنا بحاجة لأن نذهب بعيداً، فالمحدّث الكبير الكليني (المتوفّى سنة ٣٢٩هجري) خصّص في المجلد الأوّل من كتابه (الكافي) باباً في العقل والفكر، أثبت فيه بوضوح أهميّة العقل والفكر من زاوية الوحي. وهنا نورد بعض الأحاديث نموذجاً لذلك:
عن الإمام الباقرعليه السلام، قال: ((إنّما يداقّ اللهُ العبادَ في الحساب يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا))(٦).
عن الإمام الصادق عليه السلام، يقول: ((بالتعقّل عرف العباد خالقهم، وأنّهم مخلوقون وأنّه المدبّر لهم وأنّهم المدبَّرون))(٧).

(١) البقرة: ١١١.
(٢) الأحقاف: ٤.
(٣) هود: ٣٥.
(٤) الأنبياء: ٢٢.
(٥) المؤمنون: ٩١.
(٦) الكافي ١: ١١.
(٧) المصدر نفسه، ص ١٣، ٢٩.