أشد الذنوب ما استهان به صاحبه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )      من أطال الأمل أساء العمل. ( نهج البلاغة ٤: ١٠)        ليس كل طالب يصيب ولا كل غائب يؤوب. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)        إياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      أكرم الحسب حسن الخلق. ( نهج البلاغة ٤: ١١)      
البحوث > القرآنية > تفسير سورة آل عمران (2) الصفحة

تَفْسيْرُ القُرآنِ الْكريمْ سُورَة آل عِمْران ٢
الاْستْاذ الشيخ محمود شَلتُوت
أجملنا فى البحث السابق مقاصد سورة (آل عمران)، وبينا وجه تسميتها بهذا الاسم، وقلنا: إن السورة برزت فيها العناية بأمرين عظيمين، لمراعاتهما فى حياة الأمم والأفراد أثر عظيم فى السعادة الدنيوية والأخروية، وللإعراض عنهما ـ على العكس من ذلك ـ عواقب وخيمة، تودى بالأمم، وتوقعها فى الفساد والاضمحلال والدمار، هذان الأمران هما: تقرير الحق فى مسألة الألوهية، وإنزال الكتب وما يتعلق بهما من أمر الدين والوحى والرسالة، وتقرير العلة التى من شأنها ـ إذا انحرفت إليها النفوس، وتعلقت بها القلوب، وصارت الهدف الذى لا يعرف غيره فى الحياة ـ أنْ تصْرف الناس عن معرفة الحق، والخضوع لسلطانه، والعمل بمقتضاه، وأن تملك عليهم حواسهم ومشاعرهم، وتصرف قلوبهم عن التدبر والتفكر فى كنه هذا العالم وما يقوم عليه من أعمال وصلات، وما يصير إليه من حساب وجزاء، هذه العلة هى الحرص على زخارف هذه الحياة، والوقوف عند ظاهرها الذى لا يمتُّ إلى فضيلة، ولا يوحى بخير أو صلاح:
تناولت السورة هذين الأمرين، وركزت أولهما على آيات جائت فى أولها، فبدأت ببيان أن الكتب السماوية، والعقل الذى منحه الله الانسان ليفرق به بين الحق والباطل، ويستعين به على معرفة الهدى من الضلال، أنزلهما الله لغاية واحدة هى هداية الناس للحق « اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ » ثم قررت خاصة الألوهية الحقة من العلم المحيط، والقدرة التامة، والحكمة فى التدبير والتقدير « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » وأردفت هذا وذاك بالإشارة إلى منشأ الشبهة التى تعلق بها النصارى فى ألوهية عيسى فأضلتهم عن الحق، مع تزييف هذه الشبهة بما لا يدع لها أثرا فى النفوس التى خلاص استعدادها لمعرفة الحق والإيمان به، وكان ذلك فى قوله تعالي: « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ».
ويجدر بنا أن نبادر قراء «رسالة الإسلام» فى هذا المقام بأن ما تضمنته هذه الآية ليس خاصاً بقضية الألوهية وما يتصل بها من أمر عيسى والنصاري، وإنما هو قاعدة كلية فى تعريف منشأ الشبهات التى تميل بالناس عن الحق فى أصول الدين وفروعه، وتجعلهم شيعاً