مرارة الدنيا حلاوة الآخرة، وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة. ( نهج البلاغة ٤: ٥٥)      شتان ما بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره. ( نهج البلاغة ٤: ٢٨)        ربما كان الدواء داءّ والداء دواء. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      ليس للعاقل أن يكون شاخصاً إلاّ في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة في معاد، أو لذة في غير محرم. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)      لا يستحين أحدٌ إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      
البحوث > الفقهية > حط وتعجل (ضغ وتعجل) الصفحة

حط وتعجل (ضع وتعجل)
الشيخ حسن الجواهري
يلجأ بعض التجار إلى ما يعرف في الفقه الإسلامي باسم (ضع وتعجل) ومعناه أن يتعجل الدائن في دينه المؤجل عوضاً يأخذه وإن كانت قيمته أقل من دينه، ويتنازل عن الجزء الآخر، فلو كان زيد يطلب عمراً ألف دينار مؤجلة إلى ستة أشهر فيحق لزيد أن يتعجّل بتسعمائة دينار ويتنازل عن الباقي.
وقد أختلف فقهاء الإسلام في صحة هذه المعاملة أو بطلانها وحرمتها، فقد ذهب الإمامية وبعض من فقهاء الإسلام إلى صحتها، ولكن ذهب بعض آخر إلى حرمتها.
أدلة المُحرّمين: الدليل الأوّل (القياس)
فقد يستدل على حرمة هذه المعاملة بما قاله ابن رشد في بداية المجتهد أنّها: (شبيهة بالزيادة المجمع النظرة تجتمع على تحريمها، ووجه شبهها إنّه جعل للزمان مقداراً من الثمن بدلاً منه في الموضعين جميعاً، وذلك أنّه هنا لك لمّا زاد له في الزمان زاد له عوضه ثمناًَ، وهنا لمّا حط عنه الزمان عنه في مقابلته ثمناً)(١). نقول: إن هذا الدليل الذي ذكره ابن رشد هو (قياس الشَبَه).
مناقشة القياس
ويرد عليه في باديء النظر أربعة ردود:
١ ـ ينقض على المقيس عليه بلزوم تحريم بيع السلعة بثمن (أكثر من قيمتها الحالية) نسيئة ، حيث إن البائع قد حسب للزمان عوضاً، وهذا ما لم يقل به أحد من الجمهور والمذاهب الأربعة(٢)، حيث إنّهم متفقون على صحة بيع النسيئة، وعادة يكون البيع بالنسيئة أكثر من البيع بالنقد. وقد ذهب الإمامية أيضاً إلى صحة بيع النسيئة إذا كان بأكثر من البيع بالنقد إذا وقع البيع على الثمن الذي هو أكثر من ثمن النقد، وهذا البيع بالنسيئة هو ما يسمّى ببيع التقسيط، حيث يتفق الطرفان منذ البداية على بيع التقسيط بالضوابط الشرعية. إذن ليس كلّ زيادة مع النظرة هي حرام. مع أنّنا لا نرى أن في بيع النسيئة تكون الزيادة في مقابل الأجل(٣).
٢ ـ إنَّ قياس الشبه الذي استدل به ابن رشد ليس بحجة (حيث شبّه الزيادة مع النظرة المجمع على تحريمها بوضع الدائن شيئاً من دينه في مقابل تعجيل الباقي)، فنقول:
أوّلاً: لا يوجد شبه يوجب سراية الحكم، إذ إن المجمع على تحريمه هو أن تكون الزيادة في مقابل الإمهال والأجل، أمّا هنا فالزيادة تكون في مقابل إسقاط الأجل، فبينهما فرق واضح.

(١) ج٢، ص١٤٤ والمراد من الثمن ما يقابل الزمان (الأجل).
(٢) راجع نيل الاوطار، ٥ / ١٧٢.
(٣) بحثنا هذا مفصلاً في بحث التقسيط (النسيئة) حيث قلنا إن الثمن الأكبر (من ثمن النقد) نسيئة كلّه في مقابل السلعة وإنّما يكون الأجل داعياً إلى الزيادة، فهو يختلف عن الزيادة مع النظرة.