العقد المفصل
ابو الحسن السيد حيدر الحلي
الحمد لله الذي جعل محمّداً حسن الأخلاق ، محمود الشمائل والأعراق ، طاهر المولد والنقيبة ، طيب المحتد والضريبة ، قد أكمل منه الحقيقة ، وابتعثه إلى جميع الخليقة ، بعد أن نظمها بسلك الإنشاء لأجله ، ونثر عليها فرائد نعمائه وفوائد فضله ، ثمّ أثنى عليه في الذكر الحكيم بقوله عزّ من قائل : ( وَإنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم )نعترف له بتبليغ الرسالة ، ونصلّي عليه صلوة تبلغ في كمالها كماله ، وعلى عترته المنتجبة ، الذين تفرّعوا من شجرته الطيّبة ، وصحبه الأماثل ، ما ناوب الطالع الآفل .
أمّا بعد ; فلقد كان ممّا سمع به الدهر على شحه ، أن أطلع في سماء الكرم نيّر صبحه ، في عصر كأنّه المعنيّ بقول عمّنا المهدي :
قد مات من كلتا يديك الكرم***وسمع جدواك عراه الصمم
وغاض من وجهك ماء الحيا***فعاد منك الوجه صخراً أصم
بل أصدق مواعيد أشرافه كالسراب الآفك في ترقرق نطافه ، قد تواصت حتّى أمجاده بالبخل ، وتعاقدت على طرد بني الآمال طرد غرائب الإبل ، فما أحقّهم فيما جبلوا عليه من الطبع الردي بقول الشريف أبي الحسن الرضي الموسوي :
وأيد جفوف لا تلين كأنّها***ولو مطرت فيها العيون جماد
لهنّ على طرد الضيوف تعاقد***هراش كلاب بينهنّ عقاد
ولقد أخذه من قول أبي عيادة البحتري :
لو صافحوا المزن ما ابتلت أكفّهم***ولو يخوضون بحر الصين ما غرقوا
جفّوا من البخل حتّى لو بدى لهم***ضوء السهي في ظلام الليل لاحترقوا
ما فيهم إلاّ من هو منبسط اللسان بالعود ، منقبض البنان عن الرفد ، حريص إلاّ على حسبه ، سمح إلاّ بما أضبت عليه يده من نشبه ، كأنّه لم يسمع بقول أبي فراس :
وما راح يطغيني بأثوابه الغنى***ولا بات يثنيني عن الكرم الفقر