حوزة الحلة

تقع مدينة الحلة على بعد أربعة وستين ميلاً إلى الجنوب الغربي من العاصمة بغداد وعلى بعد بضعة أميال من أطلال بابل وعلى بعد أربعين ميلاً إلى الشمال الشرقي من الكوفة.

وتسمى قديماً باسم الحلة السيفية نسبة إلى سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي الذي بناها عام 495هـ 1074م. وتعرف أيضاً بـ(الحلة المزيدية) نسبة إلى بني قبيلة سيف الدولة.

وعندما غزا هولاكو أيام السلاجقة المغول مدينة بغداد في منتصف القرن الخامس عام 448هـ وعاث فيها فساداً ودماراً وفتكاً بالشيعة، بعث أهالي الحلة وفداً وفيهم السيد مجد الدين بن طاووس ويوسف بن علي الحلي والد العلامة، إلى هولاكو يلتمسون منه الأمان لبلدهم وما والاه، فاستجاب هولاكو لطلبهم وسلمت الحلة والنيل والمشهدان العلوي والحسيني من القتل والنهب، ويقال أن مجد الدين قد كتب كتاب البشارة وصنفه للسلطان هولاكو، فردّ إليه النقابة في البلاد العراقية. فبعد أن أصبحت هذه البلدة مركز أمن وأمان، توجه إليها جمع من العلماء في أواخر القرن الخامس وبداية القرن السادس وتدارسوا ما انتهى إليهم من العلوم الإسلامية من الفقه وأصوله والتفسير والكلام و… خاصة فتاوى وآراء الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه. ومنذ ذلك الحين تأسست الحوزة العلمية في مدينة الحلة واستقطبت الأنظار وتوجه العلماء نحوها وأصبحت ذات مكانة شامخة لدى العالم الإسلامي.

وقبل أن تشتهر الحلة كمركز علمي كبير من مراكز الحركات العلمية الإمامية على يد الشيخ محمد بن إدريس العجلي الحلي، كانت كالنجف قبل الطوسي، وحلب قبل سلار وأبي الصلاح، فيها نواة حركة علمية، تمثلت في بعض الفقهاء والطلاب، فابن إدريس مؤسس ورئيس المركز العلمي الكبير في الحلة كان تلميذ الشيخ عربي بن مسافر العبادي، وهو من علماء الحلة، ومن الذين رووا عن الشيخ أبي علي الطوسي بواسطة إلياس بن محمد بن هشام الحائري.

 القرن السادس الهجري

إن أول من برز من الشخصيات العلمية في المجتمع الحلي بل في العالم الفقهي الشيعي آنذاك وفي منتصف الثاني من القرن السادس الهجري هو محمد بن إدريس العجلي الحلي ابن بنت أبو نصر محمد بن الحسن المتوفي عام 540هـ 1110م بن الشيخ أبو علي الطوسي. وتكون جدته لأمه بنت الشيخ مسعود بن ورام.

ولد فخر الدين عبد الله محمد بن أحمد بن إدريس الحلي العجلي حدود عام 543هـ 1123م. ففي بحار الأنوار: (قال الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الإمامي العجلي بلغت الحلم سنة ثمان وخمسين وخمسمائة وتوفي إلى رحمة الله ورضوانه سنة ثمان وسبعين وخمسمائة)، فيكون مجموع سني عمره نيف وثلاثين عاماً.

ووجد بخط ولده صالح: (توفي والدي محمد بن إدريس رحمه الله يوم الجمعة وقت الظهر في الثامن عشر من شهر شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة فيكون عمره تقريباً خمسة وخمسين سنة).

وعلى أي حال فإنه قدس سره قد ولد في الحلة ونشأ فيها وتعلم الدراسات الدينية في حوزتها الدينية رغم عدم معروفية مشائخه وتلامذته وعندما استوعب آراء جده لأمه الشيخ الطوسي رحمه الله بدأ بالطعن على العلماء الذين تلقوا فتاوى شيخ الطائفة من دون أي نقد ومناقشة. ثم آلَى على نفسه بالدراسة والتمحيص لآراء الشيخ الطوسي محطماً بذلك تلك الهالة القدسية التي وضعت على شيخ الطائفة. يقول ابن إدريس رحمه الله في مقدمة كتابه السرائر: (إني لما رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمدية والأحكام الإسلامية وتثاقلهم عن طلبها وعداوتهم لما يجهلون وتضييعهم لما يعلمون ورأيت ذا السن من أهل دهرنا لغلبة الغباوة عليه مضيعاً لما استودعته الأيام مقصراً في البحث عما يجب عليه علمه حتى كأنه ابن يومه ومنتج ساعته.. ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان وميدانه قد عطل منه الرهان تداركت منه الذماء الباقي وتلافيت نفساً بلغت التراقي).

وكل هذا الكلام موجه نحو العلماء الذين وقفوا على فتاوى شيخ الطائفة قدس سره ولم يدرسوها بكل دقة وانتباه.

ومما لا ريب فيه أن للشيخ محمد بن إدريس الفضل الكبير في دفع عجلة الحركة العلمية الفقهية إلى الإمام وتنشيط الحوزة العلمية في الحلة في أواخر القرن السادس الهجري.

لقد شد العلماء وطلاب العلوم الدينية رحالهم إلى هذا المركز العلمي لكي ينهلوا من معين العلم في مدرسة الحلة العلمية ويستفيدوا من أبحاث ابن إدريس المعمقة. ومن هذا المنطلق نجد بأن الحوزة العلمية الدينية في الحلة تدفقت بالفقه والعلم والتحقيق طيلة قرون ثلاثة ابتداءً من أواخر القرن السادس حتى أواسط القرن التاسع الهجري. ولا يزال بعض الكتب التي ألفت في هذه الفترة تكون من أمهات الكتب الفقهية حتى يومنا هذا، مثل السرائر والشرائع.

وصفه ابن داود: بأنه شيخ الفقهاء بالحلة متقناً في العلوم". كما وصفه الحر العاملي: "وقد أثنى عليه علماؤنا المتأخرون، واعتمدوا على كتابه، وعلى ما رواه في آخره من كتب المتقدمين وأصولهم".

وقالت بعض المصادر: "... وكان فقيهاً أصوليا بحتاً، ومجتهداً صرفاً، وهو أول من فتح باب الطعن على الشيخ (الطوسي)، وإلا فكل من كان في عصر الشيخ أو من بعده، إنما كان يحذو حذوه غالباً إلى أن انتهت النوبة إليه".

توفي الشيخ محمد بن إدريس عام 598 الهجري (1177 الميلادي) في مدينة الحلة ودفن فيها وله قبر معروف ومشهور في باحة جامع يدعى بـ"جامع ابن إدريس".

 بين الطوسي وابن إدريس

هذه الفقرة تلقي لنا ضوءاً على ما قام به هذا الشيخ المجدد بالنسبة لآراء الشيخ الطوسي وأفكاره، التي كادت تسيطر على الجامعة العلمية في النجف طيلة مائة عام أو اكثر، وتعيقها عن التجديد، والتفاعل الفكري.

فإننا نجد بعض المصادر ترى أن المائة عام التي عاشتها الحوزة العلمية بعد الشيخ المؤسس، والى حد ما كان عامل التقليد فيها واضحاً جلياً ومن جراء ذلك تحملت الجامعة أعباء الوراثة العلمية، وفي خلالها كانت هالة من التقديس والاحترام تحوط آراء وأفكار الشيخ الطوسي الرائد. بحيث كان من الصعب على أحد أن ينالها بالاعتراض والنقاش، أو يخضعها للتمحيص والتدقيق. وحتى أن اكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليداً له لكثرة اعتقادهم فيه، وحسن ظنهم به.

وقد وضح الحمصي، وهو ممن عاصر تلك الفترة ـ هذه الحقيقة بقوله: "ولم يبق للإمامية مفت على التحقيق، بل كلهم حاك".

والحقيقة أننا على رغم ما نجده في بعض المصادر بأن الفترة التي تلت وفاة الشيخ الطوسي من أنشط العهود بالنسبة للحركة العلمية في الجامعة النجفية، وأن الوضع الدراسي قد بلغ أوجه وشدة عنفوانه في عصر أبي علي الطوسي، وولده أبي نصر، وابن شهريار.

ولكن في الوقت نفسه لم تتمكن المصادر من إعطائنا صورة واضحة من ملامح هذه الفترة بما يتعلق بازدهار الحركة الفكرية في الجامعة النجفية، وتكاد تكون مظلمة، والركود العلمي فيها أقرب إلى الواقع من غيره.

بالإضافة إلى أن المصادر تحجم عن ذكر وضعية الحركة العلمية في النجف بعد ابن شهريار الخازن، وفي نفس الوقت نرى نجم ابن إدريس قد لمع في الحلة وبرز بعنف على مسرح النقد لآراء الشيخ الرائد، وكان هذا البروز الدفعي الجريء قد حول الأنظار إلى الحركة العلمية التي تدور رحاها في الحلة، وحتى تكاملت عناصر الانتقال في عهد المحقق الحلي، وذلك في أوائل القرن السابع.

"وهذه الحقيقة بالرغم من تأكيد جملة من علمائنا لها تدعو إلى التساؤل والاستغراب، لأن الحركة الثورية التي قام بها الشيخ في دنيا الفقه والأصول، والمنجزات العظيمة التي حققها في هذه المجالات كان من المفروض والمترقب أن تكون قوة دافعة للعلم، وان تفتح لمن يخلف الشيخ من العلماء آفاقاً رحيبة للإبداع والتجديد ومواصلة السير في الطريق الذي بدأه الشيخ. فكيف ولم تأخذ أفكاره وتحديداته مفعولها الطبيعي في الدفع والإغراء بمواصلة السير!".

وتشير بعض المصادر الأصولية إلى عدة أسباب من المحتمل أن تفسر الموقف، نلخصها بما يلي:

1 ـ أن الشيخ الطوسي بهجرته إلى النجف انفصل عن حوزته الأساس وانشأ حوزة جديدة حوله في النجف، وتفرغ في مهجره للبحث وتنمية العلم، وكان من الطبيعي أن لا ترقى الحوزة العلمية إلى مستوى التفاعل المبدع مع التطور الذي أنجزه الشيخ الطوسي في الفكر العلمي لحداثتها، ولهذا لم يتسرب الإبداع الفقهي العلمي من الشيخ إلى تلك الحوزة التي كان ينتج ويبدع بعيداً عنها، ولكي يتحقق ذلك التفاعل الفكري الخلاق كان لابد أن يشتد ساعد الحوزة الفتية حتى تصل إلى المستوى من التفاعل من الناحية العلمية فسادت فترة ركود ظاهري بانتظار بلوغ الحوزة الفتية إلى ذلك المستوى.

2 ـ أسند جماعة من العلماء ذلك الركود إلى ما حظي به الشيخ من تقدير عظيم في نفوس تلامذته رفعه في أنظارهم عن مستوى النقد، وجعل من آرائه ونظرياته شيئا مقدسا لا يمكن أن ينال باعتراض، أو يخضع لتمحيص.

وقد بلغ من استفحال تلك النزعة التقديسية في نفوس الأصحاب أنا نجد فيهم من يتحدث عن رؤيا لأمير المؤمنين(ع) شهد فيها الإمام بصحة كل ما ذكره الشيخ الطوسي في كتابه الفقهي "النهاية" !! وهو يشهد عن مدى تغلغل النفوذ الفكري الروحي للشيخ في أعماق نفوسهم.

3 ـ والسبب الأخير يمكن أن يستنتج من حقيقتين تاريخيتين:

إحداهما: أن نمو الفكر العلمي والأصولي لدى الشيعة لم يكن منفصلاً عن العوامل الخارجية التي كانت تساعد على تنمية الفكر والبحث العلمي، ومن تلك العوامل عامل الفكر السني، لأن البحث الأصولي في النطاق السني، ونمو هذا البحث وفقاً لأصول المذهب السني كان حافزاً باستمرار للمفكرين من فقهاء الإمامية لدراسة تلك البحوث في الإطار الإمامي، ووضع النظريات التي تتفق معه في كل ما يثيره البحث السني من مسائل ومشاكل، والاعتراض على الحلول المقترحة لها من قبل الآخرين.

ثانيتهما: أن التفكير الأصولي السني كان قد بدأ ينضب في القرن الخامس والسادس ويستنفد قدرته على التجديد، ويتجه إلى التقليد والاجترار حتى أدى ذلك إلى سد باب الاجتهاد رسمياً.

وإذا جمعنا بين هاتين الحقيقتين، وعرفنا أن التفكير الأصولي السني الذي يشكل عامل إثارة للتفكير الأصولي الشيعي، كان قد اخذ بالانكماش، ومني بالعقم، استطعنا أن نستنج بأن التفكير العلمي لدى فقهائنا الإمامية قد فقد أحد المثيرات المحركة له. الأمر الذي يمكن أن نعتبره عاملاً مساعداً في توقف النمو العلمي".

وكيفما كان فإن ابن إدريس فتح باب النقاش على مصراعيه، وحمل بكل ما أوتي من مقدرة علمية على آراء جده لامه الشيخ الطوسي وبكل عنف. وكان ذلك سبباً لحملة شديدة عليه من قبل بعض الأعلام.

ومع هذا فان الحملات القاسية التي شنها ابن إدريس على آراء الشيخ الرائد "كانت بداية خروج الفكر العلمي عن دور التوقف النسبي على يد هذا الفقيه المبدع، إذ بث في الفكر العلمي روحاً جديدة، وكان كتابه الفقهي "السرائر"، إيذاناً ببلوغ الفكر العلمي في مدرسة الشيخ إلى مستوى التفاعل مع أفكار الشيخ ونقدها وتمحيصها".

وإذا كان عهد ابن إدريس إيذانا بانتقال الحركة العلمية إلى الحلة، ففي عهد المحقق الحلي انتقل المركز العلمي إلى الحلة تماماً، واصبح مجلس المحقق ـ كما تحدده بعض المصادر ـ يضم قرابة أربعمائة مجتهد.

واستمر التأجج العلمي ينير آفاق مدينة ابن إدريس طوال قرون ثلاثة، ودام حتى أواخر القرن العاشر الهجري، فقد عادت المركزية العلمية إلى النجف، وبقيت في الحلة حركة علمية بسيطة مفتقرة إلى شيء من الدفع والتوسع.

وفي خلال هذه المدة ضمت الحلة بيوتات كبيرة علمية، وأعلاما فذة عرفوا بالفضيلة والاجتهاد، أمثال: آل إدريس، وآل شيخ ورام، وآل فهد، وآل طاووس وآل نما، وبني سعيد، وبني المطير، وبني معية وغيرهم من البيوتات العلمية.

 القرن السابع

  كان القرن السابع الهجري في الحلة ناشطاً بالعلم والعلماء، قد جعل منها معقلاً متقدماً للفكر الشيعي، ومركزاً رئيساً للدراسات الإسلامية والفقهاء والعلماء، ومحجاً لطالبي العلوم الدينية كل صوب وحدب، حيث قصدها الكثير من رجال العلم من أقصى البلاد وأدناها. أبرزهم:

1 ـ الخواجة نصير الملة والدين محمد بن الحسن الطوسي الذي قدم من إيران ودرس على المحقق الحلي فكان البحث في القبلة في استحباب التياسر قليلاً لأهل الشرق من أهل العراق عن السمت الذي يتوجهون إليه، فاعترض الطوسي أن التياسر إما إلى القبلة فيكون واجباً لا مستحباً وأما عنها فيكون حراماً. فأجاب المحقق الحلي في الدرس بأن الانحراف منها إليها.

2 ـ أحمد بن علي بن معقل الأزدي المهبلي الحمصي الأديب. ولد عام 567 الهجري (1146م) ومات في 25 ربيع الأول عام (1146م) قال السيوطي نقلاً عن الذهبي كما في أعيان الشيعة: (رحل ـ من حمص الشام ـ إلى العراق وأخذ الرفض عن جماعة بالحلة)، ولولا أن الحلة كانت مركزاً للفكر والعلم والإيمان ومجمعاً للعلماء والفقهاء لما توجه أحمد بن علي الأزدي من حمص الشام إلى مدينة الحلة، ولما تأثر بمنطق رجالها وأعلامها.

وهناك مؤشرات أخرى كثيرة تدل على أن الحلة كانت تعج بأعلام في الفقه والأصول وخاصة في هذه الفترة. وأبرزها:

1 ـ عندما أنفذ هولاكو خان الشيخ الأعظم الخواجة نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي وحضر الحلة، اجتمع عنده فقهاؤها فأشار إلى الفقيه نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد وقال من أعلم هؤلاء الجماعة فقال كلهم فاضلون علماء وإن كان واحد منهم مبرزاً في فن، كان الآخر منهم مبرزاً في فن آخر فقال من أعلمهم بالأصوليين فأشار إلى والدي سديد يوسف بن المطهر وإلى الفقيه مفيد الدين محمد بن الجهم فقال هذا أعلم الجماعة بعلم الكلام وأصول الفقه.

2 ـ نقل الشيخ الفقيه الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي تلميذ أبي العباس أحمد بن فهد الحلي ما صورته (حودث سنة 636 الهجري فيها، عمر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان بالحلة السيفية وأسكنها جماعة من الفقهاء).

ومن المعلوم أن بناء البيوت للعلماء لا يكون إلا للوافدين على الحلة لأن ابن البلد ذا مأوى ومسكن في بلده ومسقط رأسه وخاصة في تلك الأيام.

ومن المناسب جداُ أن نأتي على ذكر اللامعين من العلماء في هذا القرن في مدينة الحلة حتى يكون تقييمنا للمستوى العلمي في هذه الفترة وفي هذه البلدة أقرب إلى الواقع، واستيعابنا لانعكاسات هذا النشاط العلمي السلبية على الحوزة العلمية في النجف الأشرف، أدق وأشمل.

والبارزون من العلماء في هذه المدينة وفي هذه الفترة، هم:

1 ـ الشيخ أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق الحلي. ولد في بداية القرن السابع الهجري عام 602هـ (1181م) في مدينة الحلة ومات عام 676 من الهجرة الشريفة (1255م) في مسقط رأسه وروى جثمانه المبارك هناك. وله ضريح في وسط الحلة وقد أصبح مقامه مزاراً للمؤمنين.

2 ـ السيد جمال الدين أبو الفضائل وفقيه أهل البيت أحمد بن موسى بن طاووس صاحب كتاب (الملاذ) في الفقه المشتمل على أربع مجلدات وكتاب (بشرى المحققين) في الفقه أيضاً المشتمل على مجلدات ستة. والكتب الأخرى الكثيرة المذكورة في كتب التراجم وخاصة في الأنوار الساطعة.

إن التاريخ لم يدون تاريخ ولادته ولكنه أتى على ذكر وفاته الذي كان عام 673 الهجري (1252م).

السيد غياث الدين عبد الكريم بن السيد أحمد بن طاووس مؤلف كتاب (فرحة الغري) المولود عام 648هـ (1228م) والمتوفي عام 693هـ (1273م).

وبعد ملاحظة هؤلاء الأعلام مع تلامذتهم ومشائخهم نعرف مدى النشاط العلمي في هذه الفترة في مدينة الحلة.

وإذا أردت أن تعرف عدد العلماء في هذا المقطع من الزمان في هذه الحوزة العلمية فعليك مراجعة كتاب (الأنوار الساطعة في المائة السابعة) وخاصة الصفحتين 83.55 حتى تعرف الحشد الكبير من العلماء الذين عاشوا في هذا القرن في مدينة الحلة.

 القرن الثامن الهجري

لقد استمرت الحركة العلمية في الحلة في القرن الثامن الهجري وأنتجت فحولاً من العلماء في التحقيق والتأليف والتدريس.

إن المحقق الطهراني قدس سره قد ذكر في كتابه (الحقائق الراهنة في المائة الثامنة) أسماء عدد كبير من العلماء الذين كانوا في الحلة في هذه البرهة من الوقت.

وإليك الوجوه اللامعة منهم:

1 ـ الشيخ تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي الرجالي المعروف بابن داود ولد في اليوم الخامس من شهر جمادي الثاني من عام ستمائة وسبع وأربعين من الهجرة، ويقول فيه صاحب روضات الجنات (كان من العلماء الجامعين والفضلاء البارعين يصفونه في الإجازات بسلطان الأدباء والبلغاء وتاج المحدثين والفقهاء)، (وله من التصنيفات في الفقه نظماً ونثراً مختصراً ومطولاً وفي والعربية والمنطق والعروض وأصول الدين نحواً من ثلاثين مصنفاً). وقد تقدم اسمه في تلامذة المحقق الحلي.

2 ـ إبراهيم بن علوان الحلي. إنه شيخ من شيوخ العلماء الأجلاء، ومرجع في التدريس والإجازات ومعاصر للعلامة الحلي كما ظهر من إجازته بخطه على الشرائع لتلميذه الشيخ حسين بن إبراهيم بن يحيى الاسترآبادي في شهر ربيع الأول عام 708 هـ 1285م.

3 ـ الحسن بن يوسف بن علي بن محمد بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي. ولد في النصف الأخير من ليلة الجمعة 27 رمضان عام 648هـ 1227م وتوفي ليلة السبت 21 من شهر محرم عام 726هـ 1305م. قال العلامة الأمين (برع في المعقول والمنقول وتقدم وهو في عصر الصبا على العلماء الفحول وقال في خطبة كتابه المنتهى انه فرغ من تصنيفاته الحكيمة والكلامية وأخذ في تحرير الفقه من قبل أن يكمل له ست وعشرون عاماً).

4 ـ الشيخ عز الدين الحسن بن أحمد بن مظاهر الحلي، الذي أجازه فخر المحققين عامي 741هـ 1320م و755هـ 1324م ونعته بقوله (الشيخ الإمام الفقيه العالم السعيد عز الدين حسن بن مظاهر.

5 ـ عبد العزيز بن محاسن بن سرايا الحلبي. ولد عام 677هـ 1259م وتوفي عام 750م 1321م (كان إماماً في العلم والأدب) و(كان عالماً فاضلاً منشئاً أديباً من تلامذة المحقق نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي له القصيدة البديعة مائة وخمسة وأربعون بيتاً يشتمل على مائة وخمسين نوعاً من أنواع البديع).

6 ـ أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الشهير بفخر المحققين بن العلامة الحلي ولد ليلة الاثنين من يوم العشرين من شهر جمادى الأولى عام 682هـ 1261م. درس على جمع من العلماء أبرزهم والده الحسن بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي.

 القرن التاسع الهجري

إذا راجعنا تراجمة علماء الشيعة ومدارسهم والكتب التي تألفت في هذه الفترة بالذات في الفقه وأصول الفقه والتفسير وعلم الرجال وعلم الكلام والحديث و.. لوجدنا أن مدينة الحلة قد فقدت مركزيتها العلمية ومحوريتها الفكرية وذلك نتيجة تأسيس حوزات علمية أخرى في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي مثل جبل عام التي قدمت للعالم الإسلامي كثيراً من العلماء والفقهاء. ومثل أصفهان وكاشان و.. من بلاد إيران حيث احتضنت حوزات عملية وتشرفت بعلماء محققين.

إن مدينة الحلة رغم قلة النشاط العلمي فيها في هذه الفترة، كانت ذات دور علمي فاعل لا يستهان به، وعليه نجد أعلاماً قد برزوا في هذا القرن في هذه البلدة الطيبة وهم:

1 ـ الشيخ جمال الدين أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي ولد عام 757هـ (1336م) وتوفي عام 841هـ (1420م). قال عنه الحر العاملي (عالم فاضل ثقة زاهد عابد ورع جليل القدر)، ووصفه السيد جمال الدين ابن الأعرج العميدي (انه أحد المدرسين في المدرسة الزعنية في الحلة السيفية من أهل العلم والخير والصلاح والبذل والسماح.

ألف رحمه الله أكثر من خمس وعشرين كتاباً في الفقه مثل كتاب (المهذب البارع في شرح المختصر النافع) وكتاب (شرح ألفية الشهيد) وفي الأدعية مثل كتاب (عدة الداعي ونجاح الساعي) وفي العرفان مثل كتاب (أسرار الصلاة).

2 ـ الشيخ أبو الحسن علاء الدين علي بن الحسين الشفهيني الحلي. قال صاحب أمل الآمل أن (الشيخ علي الشفهيني الحلي فاضل شاعر أديب)، وكان معاصراً لابن فهد المتوفي عام 841هـ (1420م) وعليه يكون الشيخ الشفهيني الحلي من رجال العلم والأدب من القرن التاسع الهجري.

3 ـ الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العرندس الحلي المعروف بابن العرندس توفي حدود سنة 840هـ (1419م).

4 ـ الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي، قال فيه الحر العاملي (الحسن بن راشد فاضل فقيه شاعر أديب)، وقال صاحب رياض العلماء (الشيخ تاج الدين الحسن بن راشد الحلي الفاضل العالم الشاعر من أكابر الفقهاء)، ثم نقل السيد الأمين في أعيان الشيعة: (أنه ترك لنا كتباً ستة). لقد مات بعد عام 830هـ 1409م لأنه كان حياً عام 830هـ.

5 ـ الحسن بن محمد المهلبي الحلي صاحب كتاب (الأنوار البدرية في شبه القدرية) المؤلف عام 840هـ (1419م) في داره بالحلة السيفية.

6 ـ عبد الله بن شرف الدين أبو عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري الحلي الأسدي.

7 ـ محمد الأنصاري بن شجاع الحلي القطان عالم فقيه له كتاب (المقعنة) و(معالم الدين في فقه آل ياسين) و(نهج العرافان) الذي فرغ من تأليفه يوم 19 شعبان 819هـ (1388م)، إن هؤلاء وغيرهم ممن أتى على ذكرهم المحقق الطهراني في كتابه القيم (الضياء اللامع في القرن التاسع) حين درس في هذه الفترة عدد لا يستهان به من العلماء في مدينة الحلة مما يدل على أن الحلة كانت ذات موضع علمي ناشط رغم تأسيس حوزات علمية في مدن عديدة من العالم الإسلامي في هذا القرن.

 النتيجة

عند المقارنة بين الحركة العلمية الإسلامية في القرون السابعة والثامنة والتاسعة في الحوزة العلمية في النجف الأشرف وبين النشاط العلمي الواسع وعدد العلماء وحجم المؤلفات والكتب القيمة التي سطرت في مدينة الحلة، حسب ما أُشير إليه بإيجاز في كل من المدينتين، نستنتج أن الدراسات الدينية والأبحاث الفقهية قد خفت في النجف، في حين أن الحركة العلمية الإسلامية قد انبعثت في الحلة وتطورت، وأبدعت الثمار الفكرية والآراء الفقهية والكتب العميقة الاجتهادية من جراء تواجد المحققين وكبار العلماء فيها.